جاء في صحيفة "الأخبار"، أنّه من نافل القول إن غلالة شديدة السواد تظلّل تفاهم - بل تحالف - حزب الله والتيار الوطني الحر. لكن المؤكد أن الطرفين شديدا الحرص على البقاء تحت سقف الحفاظ على العلاقة، وهو ما تبدّى بين سطور البيانين التوضيحيين اللذين صدرا أمس، عن كل من مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله الذي انتهى بالتأكيد على «حرصنا على الصَّداقة والأصدقاء»، وعن اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار التي أنهت بيانها بأن «التيار الوطني الحرّ يعرف معنى الصداقة جيّداً ويقدّم كل ما يلزم في سبيل حفظها والحفاظ عليها». وترافق ذلك مع تراجع حدّة التصريحات العونية وتأكيد عدد من نواب تكتل لبنان القوي بأن الطلاق بين الطرفين لم يقع، وتعميم حزب الله مجدداً على كافة مسؤولي الحزب ومؤسساته الإعلامية ومناصريه على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم الدخول في أي سجال. فالبيان «كفّى ووفى وتناول نقطة معينة استوجب توضيحها من دون الرد على بقية النقاط التي تحدث عنها النائب جبران باسيل لأن الحزب ليسَ في وارد الدخول في سجال»، علماً أن «هناك قضايا تحتاج إلى نقاش ويأتي وقتها لاحقاً»، وفق مصادر مطلعة أكدت أن «حزب الله شديد التمسك بهذا التحالف وبالدفاع عنه».
رغم ذلك، كان واضحاً من البيانين أيضاً أن «سوء التفاهم» بينهما ليس عرضياً، وأن هواجس الطرفين باتت كبيرة وأن الالتباسات في العلاقة تتسع، وهو ما يستدعي الجلوس سوياً، وسريعاً، ويجعل من المصارحة أمراً شديد الوجوب. بحسب مصادر مطلعة، يُفترض أن يختم البيانان النزاع العلني ويحسما الوجهة إلى التهدئة، على أن يُترك بدء إعادة التواصل إلى الأيام القليلة المقبلة، مشدّدة على أن ما بين التيار وحزب الله هو «زواج ماروني» وليس «عقد زواج مؤقت»، وهما يدركان أنهما لا يملكان ترف الانفصال.
ورغم التوجّه الذي اعتمده بالابتعاد عن السجال، كان البيان الصباحي لحزب الله «طبيعياً بعد التشكيك في مصداقية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، خصوصاً أن رأسمال الحزب هو التزامه بوعوده»، فكان لا بد من أن يوضح البيان بأن الحزب «لم يقدّم وعداً لأحد بأنّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، ولم يقدّم وعداً للتيار الوطني بأنّه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراؤه. قلنا بوضوح إنّ الحكومة لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة. وفي حال اجتماعها، فإنّ قراراتها ستؤخذ بالإجماع». وأكد أنّ «الصادقين لم ينكثوا وعداً، وقد يكون الأمر التبس على الوزير باسيل، فأخطأ عندما اتهم الصادقين بما لم يرتكبوه».
مفردة «الالتباس» وردت أيضاً في بيان اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار، رداً على بيان الحزب، وجاء فيه أن «ما ورد في بيان العلاقات الإعلامية في حزب الله ملتبس جداً ويحمل تناقضاً بين الحرص على إجماع مكوّنات الحكومة في اتخاذ القرارات فيما لا ينسحب ذلك على حضور الجلسات، فإذا لم يكن هناك إجماع في الحضور فكيف يكون في اتخاذ القرارات».
وفيما حرصت مصادر في التيار الوطني الحر على الإشارة إلى أن «بياننا كان مهذباً»، قالت مصادر مطلعة إن «البيانين توضيحيان ولا يهدفان إلى تصعيد الموقف». وأشارت إلى أن «لا تواصل بينَ الطرفين حتى الآن، ولا يزال كل منهما يدرس بهدوء مآلات ما حصل لتحديد توجهاته في المرحلة المقبلة». ولفتت إلى أن بين إشارات التهدئة التي أعطاها التيار الوطني الحر في جلسة مجلس النواب أمس، عدم اتخاذه «خطوة نافرة» أو الإقدام على «دعسة ناقصة»، رغمَ تهريب أحد الأصوات للنائب ميشال معوض، مشيرة إلى أن من شأن ذلك تبريد الأرضية السياسية تمهيداً لفتح نافذة حوار.
قصة بيان "حزب الله": "كل شيء إلا السيّد"
كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول: رسم «حزب الله»، عبر البيان الصادر عن «العلاقات الإعلامية»، سقف التعامل مع الكلام الأخير الذي أدلى به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بعد انعقاد جلسة حكومة تصريف الأعمال... فلماذا قرر الحزب أن يرد على هذا النحو؟
يمكن الاستنتاج من خلال التدقيق في سطور البيان بأنّ الحزب اعتمد خيار الرد الموضعي والمكثّف على باسيل في إطار «الدفاع المشروع عن النفس»، مُتفادياً في الوقت نفسه أن ينزلق الى اشتباك سياسي واسع معه.
وبمعزل عن «الوقفة المطوّلة» التي جمعت باسيل مع عضوي كتلة الوفاء للمقاومة النائبين حسن فضل الله وعلي عمار بحضور نواب من تكتل لبنان القوي على هامش جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فإنّ الحزب قرر حالياً الاكتفاء ببيان العلاقات الإعلامية كناظم لموقفه حيال تصريحات باسيل، فيما صدر تعميم داخلي يطلب من المسؤولين الحزبيين على كل المستويات الامتناع عن التعليق على حملة التيار الحر او الخوض علناً في ملف الخلاف معه حتى إشعار آخر.
وعُلم انّ السبب الأساسي الكامن خلف صدور البيان التوضيحي هو استياء الحزب الشديد مما اعتبره تشكيك باسيل الصريح في صدقية الأمين العام السيد حسن نصرالله، الأمر الذي صُنف على انه تجاوز كبير وغير مألوف في مسار العلاقة، يتعدى حدود التباين السياسي المشروع الى جانب آخر شديد الحساسية يتعلق بـ»البعد الأخلاقي» الذي لطالما اكد الحزب وأمينه العام التمسّك به في مقاربة العلاقة مع الحلفاء وحتى الخصوم.
وهناك في بيئة «حزب الله» من يلفت إلى انّ الصدقية تعني له الكثير، الى درجة انها تمثل جزءا اساسيا من سلاحه، وهو بنى مسيرته عليها، واشتهر بها حتى لدى "كيان الاحتلال الاسرائيلي" الذي يصدق «السيّد» اكثر ممّا يثق في قادته.
من هنا، انزعج الحزب كثيراً من المنحى غير المسبوق الذي اتخذه اعتراض رئيس التيار على حضور حليفه جلسة مجلس الوزراء، وقرر اصدار البيان الذي حيكت خيوطه بعناية، وانطوى على إشارة ضمنية فحواها: «كل شيء إلا السيّد...».
بالنسبة إلى الحزب، «من حق باسيل الأكيد ان يعترض او يُبدي ملاحظات على مواقف معينة، وكان يمكن تفهّم الأمر لو بقي ضمن هذه الحدود خلال مؤتمره الصحافي، مع انه يبقى الأفضل البحث في المآخذ داخل الغرف المغلقة، وحتى الهجوم العنيف الذي شَنّه أنصار التيار تقرر ان يتم الصبر عليه وتحمّله، اما الذهاب دفعة واحدة الى التصويب على صدقية الامين العام بكل ما يمثّله من رمزية فهو ما لم يكن ممكناً التغاضي عنه». وفق ما يكشفه المطلعون القريبون من الحزب.
ويجزم هؤلاء انّ السيد نصرالله أشرفَ شخصياً على كل حرف في البيان التوضيحي، لافتين الى انّ بيانات بمِثل هذه الأهمية لا تصدر الا بالتشاور التفصيلي معه.
لكن، وعلى رغم العتب الكبير، لا تزال قيادة الحزب حريصة على التمييز بين الخلافات الطارئة مع التيار حول ملفات داخلية وبين مبدأ التفاهم الذي تعتبر ان استمراره يشكل، بالمعيار الاستراتيجي، مصلحة وطنية ومصلحة ثنائية للطرفين، مع الاخذ في الحسبان ضرورة تحسينه وتحصينه.
وفي إشارة رمزية الى انّ الخلاف المُستجد لم يصل إلى مستوى القطيعة، التقى باسيل وفضل الله وعمار مع نواب آخرين من التيار في القاعة العامة لمجلس النواب خلال انعقاد جلسة انتخاب الرئيس. ولئن كانت ظروف اللقاء لا تسمح بتحميله الكثير، الا ان ذلك لم يمنع من ان يشكّل فرصة لتبريد الصفيح الساخن وللنقاش في عدد من المسائل، على قاعدة ان لا بد من العودة الى الحوار في نهاية المطاف.
وهناك من يشير الى انّ مجرد حصول هذا التواصل عقب التصعيد، وبمعزل عن طبيعة مضمونه، من شأنه ان يُخفّض، ولو نسبياً، منسوب التوتر والاحتقان بين الجانبين في انتظار نضوج اللحظة المناسبة لإعادة ترميم التحالف.